الفلاح والقمح

هناك الكثير من الجزائريين الذين هلّلوا إلى حد الغبطة والانتشاء، للخطوات الحاسمة التي تقوم بها الدولة الجزائرية من أجل تقليص الهيمنة الفرنسية على سوق القمح في الجزائر، فقد يأكل الجزائري قريبا قليلا من الخبز والرغيف المصنوع من القمح القادم من فرنسا، بعد أن نالت روسيا وأوكرانيا بعض الحصص، وقد تهوي الحصة الفرنسية، من أكثر من نصف الكمية المستهلَكة من الجزائريين، إلى الربع أو ما دونه، في استقلال غذائي يبقى جزئيا، لأنه يتحرر من فرنسا فقط، وليس من الجميع.

جميلٌ أن لا نجعل مصيرنا الغذائي بين أيدي بلد واحد، أبان دائما عن تعنُّته وجبروته، لكن الأجمل هو أن نتخلص من الهيمنة الفرنسية لصالح الاستقلال الذاتي بالاكتفاء في جميع المجالات، ولن يتأتى ذلك إلا عبر مشروع أمّة فلاحي يبدأ من المواطن البسيط الذي عليه أن يتيقن بأن الخبز المصنوع من “الفرينة” المستورَدة، لم يكن أبدا الغذاءَ الجزائري الأول الذي لا يمكن الاستغناء عنه والتقليل من أكله، إلى الحكومة التي ليس وظيفتها أن تجعل الدول المنتجة للقمح، تتداول عل التسلط على غذاء الجزائريين، وإلى الفلاح الذي بإمكانه أن يطاول بقية فلاحي المعمورة الذين حققوا الاكتفاء الذاتي لبلدانهم، ومازال هو يتحجَّج بالمناخ ونقص الإمكانات والدعم، والنتيجة أن فاتورة استيراد القمح الجزائري، تعتبر من أعلى فواتير الغذاء في العالم، فهي بقدر ما تجفّف مخزون احتياطي الصرف بالعملة الصعبة، بقدر ما تقدّم “شيك” الثراء لبلدان أخرى ومنها فرنسا، التي كانت تقول دائما إنّها تُطعم الجزائريين من قمحها، ولا تقول أبدا إنها تُطعم الفرنسيين بأموال الجزائريين.

خلال الأزمة التي عصفت بالعلاقات الجزائرية المصرية على خلفية المباراة الشهيرة بين منتخبي البلدين في أم درمان في 18 نوفمبر 2009، قام التلفزيون الجزائري بمنع بث الأعمال الفنية المصرية، وقام بتعويضها بالأعمال السورية والتركية، وسار على دربه عامّة الناس، الذين رموا أشرطة وسيديهات كبار فناني مصر على الجانب، ولكنهم دعّموا ثقافتهم بعد ذلك بما يأتي من الشام واسطنبول، فحلّوا مشكلة بمشكلة أخرى.

يقال إن اليابانيين عندما خرجوا من عزلتهم الاختيارية بعد الحرب العالمية الثانية، وجدوا عالم الصناعة يتبختر بالسيارات الفرنسية والأمريكية والإيطالية والألمانية، فكانت الأصوات المطالِبة بالاستقلال من هيمنة الصناعة الأمريكية تتعالى على خلفية فاجعة القنبلتين الذريتين المدمرتين في هيروشيما ونغازاكي، ولكن الاستقلال لم يكن من الحديد الأمريكي وفقط، وإنما ببعث السيارات اليابانية التي صارت علامة عالمية لا تدخل بلدا إلا ونالت الإعجاب والاحترام.

يقول المثل الصيني القابل للتطبيق والتنفيذ: “لا تعطيني سمكة ولكن علّمني كيف أصطاد”، ويجب أن يصرخ الجزائريون الآن: “لا تعطني خبزا وإنما علمني كيف أزرع القمح وأحصده”.

المصدر
وكلات
اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق
إغلاق
%d مدونون معجبون بهذه: